This article is original and not a word to word translation from other pages.
قد لا يكون اختيار كلمة تباين لترجمة كلمة Variability مقنعاً أو معبراً خصوصاً لمن اعتاد استعمال الكلمة الإنكليزية variability للتعبير عن المعنى المطلوب. يعتبر تباين المعطيات في الدراسات البحثية واحد من أهم المبادئ وأسس التفكير البحثي عند القيام بأي دراسة علمية سواءً كانت سريرية أو غيرها من المجالات العلمية. المقصود بالتباين هو الاختلاف الوارد حدوثه عند القيام بأي دراسة بحثية بالمقارنة مع دراسات أخرى فيما لو تم إجراء نفس الدراسة ولكن على عينة أخرى من المشاركين في الدراسة. طبعاً سيتم التركيز على الدراسات السريرية على المرضى بشكل عام وخصوصاً بمجال الجراحة العظمية. كما تم شرحه في مقالات سابقة, إن الهدف من إجراء أي بحث سريري هو دراسة مرض معين أو كسر معين و بالتالي الوصول إلى فهم المسببات أو نتائج العلاج أو عوامل الخطورة أو غيرها من النواحي المتعلقة بالمرض و المرضى و بالنتيجة الرقي بأساليب العلاج بما يؤدي لتحسين نتائج العلاج و التقليل من الاختلاطات. الجزء الأكبر من هذه البحوث هي بحوث سريرية تجرى على المرضى والبعض هي تجارب مخبرية تجرى على حيوانات مخبرية. لا يخفى أن إجراء أي دراسة يتم على عدد معين من المشاركين في الدراسة والذي قد يتفاوت تبعاً لعدد المرضى المصابين بذات المرض المزمع دراسته وذلك في منطقة جغرافية محددة. بالتالي إن إجراء نفس الدراسة على عينة مختلفة من المرضى في منطقة جغرافية مختلفة سوف يؤدي بالنتيجة إلى حتمية وجود التباين variability بين هذه الدراسات من حيث المعطيات والنتائج. إلا أن درجة هذا التباين تختلف بحسب الآلية والشروط اللازمة لشمل المرضى في دراسة معينة. إن وجود التباين variability بين الدراسات هو بالنتيجة أمر مفيد جداً وذلك لأن تكرار الدراسة على عينات مرضى مختلفة يؤدي بالمحصلة إلى فهم أكبر للمرض أو الكسر أو غيره بناءً على اختلاف المرضى تبعاُ للاختلافات الطبيعية سواءً كانت اختلافات بالعرق, الجنس, المكان الجغرافي, المستوى الاجتماعي و العلمي و الثقافي و الصحي وغيرها من نواحي الحياة التي تتفاوت بين بقعة جغرافية و أخرى.
اعتماداً على مجوعة محددة من المرضى (لديهم مرض محدد أو كسر معين) و بناءً على المعطيات التي تم جمعها خلال إجراء الدراسة, يتم راسة هذه المعطيات باستخدام الإحصاء الاستنتاجي و الذي يساهم بدوره بشكل جذري في استخلاص النتائج المتوخاة من الدراسة. أحد أشيع أدوات الإحصاء الاستنتاجي هو إجراء مقارنة بين مجموعات مختلفة من المرضى ضمن نطاق المرض أو الكسر نفسه. على سبيل المثال و بالعودة إلى كسور عظمي الساعد عند الأطفال, تم إجراء العديد من الأبحاث السريرية خلال العقود السابقة و ذلك في مناطق جغرافية متعددة وبمشاركة مرضى مختلفين. و بنتيجة هذه الدراسات تمت مقارنة نتائج علاج الكسور باستخدام العلاج المحافظ (الجبس) مقارنة مع العلاج الجراحي. وتم أيضاً تتبع نسبة حصول انعدام الاندمال nonunion أو سوء الاندمال malunion عند الأطفال الصغار بالعمر مقارنة مع اليفع ذوي الأعمار أكبر من 10 سنوات. تم استخدام نتائج هذه الدراسات لبناء بروتوكولات علاجية عامة يعتمد عليها الأطباء لعلاج كسور عظام الساعد عند الأطفال. بالنظر إلى هذه البروتوكولات و بشكل متمحص أكثر, يمكن أن تلاحظ وجود تعديلات تاريخية ومتوالية اعتماداً على نتائج دراسات متكررة في بلدان مختلفة و على عينات من المرضى ذات خصائص محددة مختلفة عما تم دراسته مسبقاً.
إذاً بناءً على ما سبق, يمكن الاتفاق على أن التباين variability هو وليد حتمي لعملية تحديد المشاركين في الدراسة sampling من المجتمع وذلك لانعدام إمكانية شمل جميع الحالات المصابة بمرض معين أو كسر معين على سطح الكرة الأرضية في دراسة واحدة. لا يمكن لباحث علمي أن يتفوه بكلمة أنا متأكد I am certain, حيث أن هذا التعبير منافي للواقع العملي و العلمي للدراسات البحثية. كلما زاد عدد المشاركين في الدراسة السريرية, كلما زاد احتمال أن تكون هذه العينة معبرة و مشابهة للمجتمع في الوقت الراهن.
يمكن دراسة مفهوم التباين كمياً و تحديد درجته في أي دراسة مجراة وذلك باستخدام أدوات الإحصاء الاستنتاجي inferential statistics. إن أكثر المقاييس استخداماً للتعبير عن التباين variability سواءً بشكل مباشر أو غير مباشر هو القيمة الاحتمالية p value حيث تعبر (كما تم شرحه في مقال سابق) عن نسبة الخطأ المحتملة فيما لو استنتجنا فرضاً أن هناك فرق بين مجموعتين أو أن العمر هو عامل خطورة لعدم الاندمال مثلاً. إن هذا الخطأ المحتمل المتمثل بقيمة رقمية p valueهو تعبير كمي عن التباين variability بأن هذه النتائج قد تكون مختلفة فيما لو تم تكرار هذا الاختبار في دراسة مختلفة على مجموعة مختلفة من المرضى.
أحد أوجه التعبير عن التباين variability هو مجال الثقة confidence interval والذي يتم تقديره وعرضه مع نتائج الإحصاء الاستنتاجي على اختلاف أنواعها. لتبسيط مفهوم مجال الثقة يمكن الاستشهاد بأمثلة عملية بالرجوع إلى أحد الدراسات السابقة والتي أجريت في مشافي هولندا وتم نشرها في مجلة Journal of Children Orthopaedics عام 2013 (المصدر أدناه). الهدف من هذه الدراسة كان البحث عن عوامل خطورة متعلقة بتبدل كسور عظمي الساعد بشكل استطلاعي prospective حيث تم شمل كل المرضى المراجعين بكسر عظمي ساعد في أربع مشافي في هولندا خلال فترة 2006-2010. يمكن الرجوع إلى البحث للاضطلاع على الشروط المتبعة لشمل أو إقصاء المرضى من الدراسة. بالنتيجة تضمنت الدراسة 247 طفل تم علاجهم إما بجبس إلى أعلى المرفق above elbow cast أو جبس قصير أسفل المرفق below elbow cast. تمت متابعة المرضى بإجراء صور شعاعية متتابعة لكشف ما إذا حصل تبدل للكسر خلال فترة العلاج وقد تم تسجيل 73 (29.6%) حالة تبدل في الكسر بنسبة أكبر في كسور الجزء الديافيزي لعظمي الساعد. تمت دراسة قائمة من عوامل الخطورة المحتملة لحصول تبدل كسور عظمي الساعد تشمل (الجنس, جهة الكسر, مكان الكسر, نوع الكسر, شدة تبدل الكسر المبدئية, مقدار تقاصر العظم shortening المبدئي و غيرها من العوامل). أحد العوامل التي تم إثبات علاقتها بزيادة خطورة حدوث التبدل بالكسر هو تقاصر العظم المبدئي حيث تبين أن الكسر الذي يظهر تقاصر في الكعبرة radius أو الزند ulna على الصورة المبدئية لديه خطورة 5.7 مرات مقارنة مع الكسر بدون تقاصر. الطريقة التي تم بها عرض هذه النتيجة كانت على الشكل التالي: نسبة الاحتمال odds ratio = 5.67, مجال الثقة (2.27 إلى 14.17) و القيمة الاحتمالية p value = 0.019. إن تفسير مجال الثقة confidence interval في هذا المثال هو أنه في حال تمت إعادة التجربة مرة ثانية فإن نسبة احتمال odds ratio حصول تبدل في الكسر تتراوح بين 2.27 إلى 14.17, وفي هذه الدراسة بالذات فإن نسبة الاحتمال كانت 5.67 مع وجود احتمال خطأ بمقدار 1.9%.
كما هو واضح في المثال المذكور, إن مجال الثقة confidence interval يعبر عن القيم المحتملة لنتيجة الاختبار الاستنتاجي فيما لو تمت إعادة التجربة أو الدراسة مرة أخرى سواء كان ذلك فارق في المتوسط mean difference أو نسبة احتمال odds ratio أو غيرها من أدوات الإحصاء الاستنتاجي. لذلك يعتبر مجال الثقة عنصر مهم لفهم ومقاربة نتائج الإحصاء الاستنتاجي. كلما كان مجال الثقة واسع, كلما كانت الدراسة معرضة أكثر لتأثير التباين variability سواء كان السبب هو صغر عدد المشاركين في الدراسة small sample size أو عدم دقة المقياس أو المعامل المستخدم في الدراسة (كمثال قياس مقدار تزوي كسر أو حجم تشوه جنف العمود الفقري scoliosis) أو أسباب أخرى يمكن أن يتم التطرق لها لاحقاً.
المصدر:
Colaris JW et al, Risk factors for the displacement of fractures of both bones of the forearm in children, Bone Joint J 2013;95-B:689–93.
يمكن تحميل هذه المقالة ضمن ملف PDF بالضغط على هذا الرابط.
تأليف د. مؤيد كاظم
Authored in Arabic by Muayad Kadhim, MD